يشيع بين الناس اعتقاد راسخ بأن تناول الطعام في وقت متأخر من اليوم، وخصوصًا وجبة العشاء، يؤدي إلى زيادة الوزن بشكل مباشر، حتى لو لم تتجاوز كمية الطعام حدود الاحتياج اليومي. هذه الفكرة جعلت كثيرين يتجنبون العشاء تمامًا، أو ينامون وهم جائعون، ظنًا منهم أنهم بذلك يساعدون أجسامهم على حرق الدهون. لكن العلم له رأي مختلف؛ فالمسألة ليست متعلقة بالساعة التي تأكل فيها، بل بما تأكله وكيفية تنظيم نمط حياتك الغذائي كله.
الحقيقة أن الجسم لا يمتلك “ساعة محددة” يبدأ فيها بتخزين الطعام كدهون بمجرد حلول الليل. ما يحدد زيادة الوزن هو إجمالي السعرات الحرارية المستهلكة مقابل السعرات المحروقة على مدار اليوم. فإذا كان العشاء ضمن حدود احتياجك اليومي من الطاقة، فلن يؤدي وحده إلى زيادة الوزن، حتى لو تناولته في وقت متأخر. أما إذا كان العشاء ثقيلاً ومليئًا بالدهون والسكريات، فوق حاجتك اليومية، فسيؤدي بطبيعة الحال إلى تخزين الفائض على شكل دهون.
لكن هناك جانب آخر يجعل العشاء المتأخر مرتبطًا في أذهان الناس بالزيادة في الوزن، وهو العادات المصاحبة لتوقيت الأكل. فغالبًا ما تكون وجبة العشاء هي الوجبة الأقل تنظيمًا في اليوم؛ يأتي بعدها الجلوس أمام التلفاز أو النوم مباشرة دون نشاط بدني، ما يقلل من معدل الحرق. كما أن الشعور بالإجهاد بعد يوم طويل يجعل البعض يميلون إلى الأطعمة المريحة عالية السعرات مثل المعجنات أو الحلويات، وهو ما يؤدي فعلًا إلى زيادة الوزن بمرور الوقت، لا لمجرد أن الوجبة كانت ليلية، بل لأنها كانت دسمة وغير محسوبة.
تؤكد الدراسات أن نوعية الطعام وتوزيع الوجبات أهم بكثير من التوقيت. فالأشخاص الذين يتناولون وجبة عشاء خفيفة تحتوي على بروتين وألياف ودهون صحية – مثل سلطة الخضار مع الدجاج المشوي أو الزبادي مع المكسرات – لا يعانون عادة من أي زيادة في الوزن. بل على العكس، فإن العشاء المتوازن يساعد على نوم أفضل، والنوم الجيد بدوره ينظّم هرمونات الجوع والشبع مثل “اللبتين” و“الغريلين”، ما يسهم في ثبات الوزن أو فقدانه عند الحاجة.
من ناحية أخرى، تخطي العشاء تمامًا قد يأتي بنتائج عكسية. فالجوع المفرط قبل النوم يضع الجسم في حالة توتر، وقد يؤدي إلى صعوبة في النوم أو الاستيقاظ منتصف الليل مع رغبة شديدة في الأكل، مما يدفع البعض لتناول وجبات غير صحية في وقت متأخر. كما أن الحرمان المتكرر من العشاء قد يؤدي إلى اضطراب الشهية خلال النهار، فيتعوّض عن ذلك بتناول كميات أكبر صباحًا أو في الغداء.
الخلاصة أن تناول العشاء لا يزيد الوزن بحد ذاته، بل يعتمد الأمر على محتوى الوجبة، وحجمها، وتوقيت النوم بعدها. فاحرص على أن يكون عشاءك خفيفًا ومتوازنًا، وتجنّب النوم فورًا بعده، مع الحفاظ على نمط حياة نشط خلال اليوم. فالمعادلة البسيطة تقول: ليس متى تأكل، بل ماذا وكيف تأكل.
د.هدير سيف
اخصائي التغذيه العلاجيه