على مدى سنوات طويلة، ظلّت وجبة الإفطار تُلقّب بأنها “أهم وجبة في اليوم”، ومع ذلك بدأت في السنوات الأخيرة موجة من النصائح على وسائل التواصل الاجتماعي تشجع على تخطي الإفطار بحجة أن ذلك يساعد في إنقاص الوزن. انتشرت هذه الفكرة انتشار النار في الهشيم، خصوصًا مع صعود أنظمة مثل “الصيام المتقطع” التي يتعمد فيها البعض تأخير أول وجبة حتى الظهر. لكن هل فعلاً يساعد عدم تناول الإفطار على فقدان الوزن؟ أم أن المسألة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه؟
الفكرة الخاطئة: وجبة أقل تعني وزنًا أقل
المنطق البسيط يقول إن تقليل عدد الوجبات يعني تقليل عدد السعرات الحرارية، وبالتالي فقدان الوزن. وهذا صحيح نظريًا فقط. فالجسم ليس آلة حسابية تجمع وتطرح السعرات بشكل جامد، بل هو نظام متكامل يتفاعل مع الجوع، والطاقة، والهرمونات، والإشارات العصبية.
عندما تتجاهل وجبة الإفطار، فإن مستويات السكر في الدم تنخفض تدريجيًا بعد ساعات الصيام الليلي، ما يدفع الجسم لإفراز هرمونات الجوع مثل الغريلين (Ghrelin). هذه الهرمونات تزيد من رغبتك الشديدة في تناول الطعام، خاصة الأطعمة الغنية بالدهون أو السكريات. وبمجرد أن تبدأ أول وجبة في اليوم بعد ساعات من الجوع، يكون من الصعب السيطرة على الكمية، وغالبًا ما تأكل أكثر مما كنت ستأكله لو تناولت إفطارًا متوازنًا منذ البداية.
ما الذي يحدث في الجسم عند تخطي الإفطار؟
عند إهمال وجبة الصباح، يحاول الجسم تعويض الطاقة المفقودة بطرق متعددة. في البداية، يعتمد على احتياطي الجلوكوز في الكبد لتغذية الدماغ والعضلات، لكن بعد فترة يبدأ في استهلاك البروتين من العضلات للحصول على الطاقة. هذا الأمر يؤدي على المدى الطويل إلى تباطؤ عملية الأيض (التمثيل الغذائي)، وهو عكس ما يريده من يسعى لإنقاص الوزن.
كذلك، يتأثر إفراز الإنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم السكر في الدم. فعندما تأكل بعد فترة طويلة من الصيام، يرتفع السكر بشكل حاد ثم ينخفض بسرعة، مسبّبًا الشعور بالتعب والرغبة في تناول المزيد من الطعام. هذه الدورة غير المنتظمة تسبب تذبذبًا في الطاقة والمزاج، وتُصعّب الالتزام بنظام غذائي صحي ثابت.
أهمية الإفطار المتوازن
الإفطار الجيد لا يعني تناول أي شيء صباحًا، بل اختيار وجبة متوازنة توفر الطاقة وتمنح الشعور بالشبع دون إفراط في السعرات. وجبة تحتوي على مزيج من البروتين (كالبيض أو الزبادي أو الجبن القليل الدسم)، والألياف (كالشوفان أو الحبوب الكاملة أو الفواكه)، والدهون الصحية (مثل المكسرات أو الأفوكادو) يمكن أن تساعد في استقرار سكر الدم وتحسين التركيز والأداء الذهني خلال اليوم.
كما أن تناول الإفطار بانتظام يساهم في تنظيم الساعة البيولوجية للجسم، ما يساعد على تحسين الهضم والنوم والعمليات الحيوية الأخرى. ويشير بعض الباحثين إلى أن الأشخاص الذين يتناولون الإفطار بانتظام يميلون إلى اتباع نمط حياة أكثر توازنًا عمومًا، من حيث النشاط البدني والعادات الغذائية.
الصيام المتقطع: استثناء مدروس وليس قاعدة عامة
قد يطرح البعض مثال الصيام المتقطع كدليل على أن تخطي الإفطار مفيد. والحقيقة أن الصيام المتقطع لا ينجح بسبب “تخطي الإفطار”، بل بسبب تنظيم مواعيد الأكل وتقليل إجمالي السعرات اليومية ضمن نظام متكامل ومتابعة دقيقة.
هذا النوع من الأنظمة لا يناسب الجميع، فله شروط محددة وأوقات معينة لتناول الطعام. ويُفضّل أن يتم تحت إشراف مختص تغذية لتجنب أضرار مثل انخفاض سكر الدم أو الإرهاق أو اضطراب الهرمونات، خاصة عند النساء أو المصابين بأمراض مزمنة.
التوازن هو المفتاح
إنقاص الوزن لا يتحقق بالحرمان من وجبة معينة، بل من خلال نظام غذائي متوازن يعتمد على الوعي بنوعية الطعام، والتحكم في الكميات، وممارسة النشاط البدني بانتظام.
تخطي الإفطار قد ينجح مؤقتًا مع بعض الأشخاص، لكنه ليس استراتيجية آمنة أو مستدامة لمعظم الناس. وإذا كان هدفك هو فقدان الوزن بطريقة صحية، فابدأ يومك بوجبة تمنحك طاقة وثباتًا، لا بحرمان يُضعف جسمك ويُربك توازنه الطبيعي.
د.هدير سيف
اخصائي التغذيه العلاجيه