تُعدّ البشرة مرآةً صادقةً لما يحدث داخل أجسامنا، فهي لا تتأثر فقط بما نضعه عليها من مستحضرات تجميل، بل تتأثر بالأساس بما نأكله يوميًا. فبينما يسعى الكثيرون للحفاظ على بشرة نضرة وشابة عبر العناية الخارجية، يغفل الكثيرون عن الأطعمة “الخفيّة” التي تُسرّع من شيخوخة الجلد دون أن نشعر، إذ تهاجم هذه الأطعمة خلايا البشرة من الداخل وتضعف قدرتها على التجدد والإصلاح.

من أبرز هذه الأطعمة السكر الأبيض ومشتقاته، فهو العدو الأول للكولاجين، البروتين المسؤول عن مرونة الجلد. فعندما نتناول السكر بكثرة، يحدث ما يُعرف بعملية “الغلَيكَسَة”، وهي ارتباط جزيئات السكر بالبروتينات، مما يؤدي إلى تكوين مركبات ضارة تُسمى “نواتج الغليكَسَة النهائية” (AGEs). هذه المركبات تُضعف ألياف الكولاجين والإيلاستين، فتفقد البشرة مرونتها ويظهر التجاعيد باكرًا.

كما تُعدّ الأطعمة المقلية والغنية بالدهون المشبعة من أبرز مسببات الشيخوخة الجلدية. فالزيوت المهدرجة والدهون الصناعية ترفع من مستوى الالتهابات في الجسم وتزيد من إنتاج الجذور الحرة، وهي جزيئات غير مستقرة تُهاجم خلايا الجلد وتؤدي إلى تلفها. وتزداد خطورتها مع التعرض لأشعة الشمس أو قلة النوم، حيث يصبح الجلد أكثر عرضة للأكسدة وفقدان الحيوية.

ولا يقل الملح ضررًا عن السكر، فالإفراط في تناوله يُسهم في احتباس السوائل داخل الجسم ويؤدي إلى انتفاخ البشرة وبهتانها. كما أن الأطعمة الغنية بالصوديوم، مثل الوجبات السريعة والمعلبات واللحوم المصنعة، تُفقد الجلد ترطيبه الطبيعي وتُسرّع من فقدان مرونته.

المشروبات الغازية والكحولية أيضًا من العوامل التي تسرّع الشيخوخة، إذ تؤدي إلى جفاف الجلد ونقص الفيتامينات المهمة مثل فيتامين C وE، وهما من مضادات الأكسدة التي تحمي خلايا البشرة من التلف.

وفي المقابل، فإن استبدال هذه الأطعمة الضارة بخيارات ذكية يمكن أن يعيد للبشرة نضارتها الطبيعية. فالفواكه الغنية بفيتامين C مثل الكيوي والبرتقال والتوت تساعد في تحفيز إنتاج الكولاجين، والخضروات الورقية الداكنة مثل السبانخ والجرجير تزوّد الجلد بمضادات أكسدة قوية تحارب الجذور الحرة. أما الدهون الصحية في الأفوكادو والمكسرات وزيت الزيتون فتعمل على تغذية الجلد من الداخل وتمنحه مظهراً مشرقاً ومشدوداً.

إن الحفاظ على شباب البشرة لا يعتمد على الكريمات وحدها، بل على وعي غذائي متكامل. فاختيار الطعام بحكمة هو في الحقيقة اختيار لزمن جمالي أطول، حيث يصبح الطبق اليومي سلاحاً فعّالاً ضد التجاعيد وعلامات التقدّم في العمر. فالجمال الحقيقي يبدأ من الداخل، من خلية تتغذى بوعي، وبشرة تشكر صاحبها على حسن اختياره.

د.هدير سيف 
اخصائي التغذيه العلاجيه