يقال إن “ما تضعه في طبقك اليومي يمكن أن يكون دواءك أو داءك”، وهي حقيقة علمية أثبتتها الأبحاث الحديثة في مجالات التغذية والطب الوقائي. فالغذاء الذي نتناوله يومياً لا يقتصر تأثيره على الطاقة أو الشكل الخارجي، بل يمتد ليحدد صحتنا على المدى الطويل، بل وقد يتفوّق في تأثيره على الأدوية نفسها. إن الطعام ليس مجرد مصدر للسعرات الحرارية، بل هو شبكة معقدة من المركبات الحيوية التي يمكن أن تشفي أو تدمّر، تبعاً لاختياراتنا.
لقد أصبح من الواضح أن الكثير من الأمراض المزمنة المنتشرة اليوم، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، ترتبط ارتباطاً مباشراً بنمط الغذاء اليومي. فالأطعمة المصنعة الغنية بالدهون المشبعة والسكريات والملح الزائد تسهم في رفع الالتهابات داخل الجسم، وتُضعف جهاز المناعة، وتزيد من تراكم السموم. في المقابل، فإن النظام الغذائي الغني بالخضروات والفواكه الطازجة والحبوب الكاملة والبروتينات الصحية يُعدّ وسيلة فعّالة للوقاية من هذه الأمراض، وربما لعكس بعض آثارها.
إن ما يجعل الطب الحديث يعيد النظر في العلاقة بين الغذاء والدواء هو أن بعض الأطعمة تحتوي على مركبات نشطة بيولوجياً ذات تأثير دوائي حقيقي. فالثوم مثلاً يمتلك خصائص مضادة للبكتيريا والفيروسات، والكركم يحتوي على مادة “الكركمين” التي تقاوم الالتهابات وتُستخدم في علاج المفاصل، بينما تعمل الألياف الغذائية على خفض الكوليسترول وتنظيم مستوى السكر في الدم بطريقة تضاهي بعض الأدوية.
لكن المفارقة أن الكثيرين يعتمدون على الأقراص الدوائية لعلاج ما تسببت فيه عاداتهم الغذائية الخاطئة. فبدلاً من ضبط النظام الغذائي، يلتجأ البعض إلى المسكنات أو أدوية المعدة أو الكوليسترول، في حين أن تغيير بسيط في الطبق اليومي — مثل تقليل المقليات، وزيادة الخضروات الورقية، وتناول وجبات غنية بالألياف — قد يكون أكثر فاعلية وأماناً من تلك الأدوية.
ولا يمكن تجاهل دور “الوعي الغذائي” في هذه المعادلة. فالمعرفة هي الخطوة الأولى نحو الوقاية. حين يدرك الإنسان أن طعامه اليومي هو العامل الأساسي في صحته، سيبدأ في النظر إلى وجباته باعتبارها علاجاً وقائياً وليس مجرد متعة وقتية. النظام الغذائي المتوازن لا يحتاج إلى حرمان، بل إلى توازن وفهم. تناول أطعمة طبيعية، مطهية بطريقة صحية، ومتناغمة مع احتياجات الجسد، يمكن أن يحافظ على صحة الأعضاء ويؤخر ظهور الأمراض.
الطبق اليومي هو خط الدفاع الأول عن صحتنا، وهو أكثر تأثيراً من الأدوية في الوقاية والعلاج إذا أُحسن اختياره. فالدواء يعالج المرض بعد وقوعه، بينما الغذاء الجيد يمنع المرض قبل ظهوره. إن الاستثمار في الغذاء الصحي هو استثمار في الحياة ذاتها، وفي جسد متوازن لا يحتاج إلى علاج مستمر، لأن الوقاية تبدأ من الملعقة الأولى.
د.هدير سيف
اخصائي التغذيه العلاجيه