أهلاً بكم فى موقعنا

استعيدي توازن هرموناتك بعد الاربعين

Blog Images

استعيدي توازن هرموناتك بعد الاربعين

تبدأ مرحلة الأربعين عند المرأة كبوابة لمرحلة دقيقة في حياتها، تتبدل فيها ملامح الجسد والروح معاً. فمع التقدّم في العمر، يبدأ الجسم بتقليل إنتاج بعض الهرمونات الأساسية، وعلى رأسها الإستروجين والبروجستيرون، مما يسبب سلسلة من التغيرات الفيزيولوجية والنفسية. هذه التبدلات ليست مرضاً، لكنها انعكاس طبيعي لدورة الحياة البيولوجية، وغالباً ما تُعرف بمرحلة “ما قبل انقطاع الطمث” أو Perimenopause، التي تسبق انقطاع الطمث بسنوات قليلة.

في هذه المرحلة، قد تلاحظ المرأة عدم انتظام الدورة الشهرية، أو تقلبات في المزاج، أو زيادة في الوزن، أو شعوراً بالإرهاق والهبّات الحرارية المفاجئة. كما قد تتأثر جودة النوم والرغبة الجنسية والمزاج العام، ويعود السبب إلى تذبذب مستوى الهرمونات الأنثوية، التي لم تعد تُفرز بانتظام كما في سنوات الشباب. ولأن الهرمونات تتحكم في معظم وظائف الجسم الحيوية من الطاقة والنوم إلى الشهية والعاطفة فإن أي اضطراب فيها ينعكس على حياة المرأة بشكل شامل.

ورغم أن التغيرات الهرمونية حتمية، فإن استعادة التوازن ممكنة من خلال أسلوب حياة متكامل يراعي الجسد والنفس معاً. فالتغذية الصحية تُعتبر حجر الأساس في دعم الهرمونات. يحتاج الجسم في هذه المرحلة إلى البروتينات لبناء الأنسجة وتنظيم الهرمونات، وإلى الدهون الصحية مثل أوميغا-3 الموجودة في الأسماك والمكسرات وزيت الزيتون، إذ تعد هذه الدهون اللبنة الأولى في تصنيع الهرمونات الجنسية. كما أن تناول الخضروات، ولا سيما الصليبية مثل البروكلي والكرنب، يساعد الكبد على استقلاب الإستروجين الزائد ويعزز التوازن الداخلي.

ولا يقل النوم أهمية عن الغذاء، فهو الوقت الذي يعيد فيه الجسم تنظيم هرموناته وتجديد خلاياه. قلة النوم ترفع مستوى الكورتيزول، وهو هرمون التوتر الذي يعيق توازن الإستروجين والتستوستيرون. لذلك من الضروري الحصول على سبع إلى ثماني ساعات من النوم الهادئ كل ليلة، والابتعاد عن الشاشات قبل النوم لأنها تؤثر في إفراز الميلاتونين، هرمون الراحة والنوم. كما يُنصح بالحفاظ على مواعيد نوم واستيقاظ ثابتة لضبط الساعة البيولوجية للجسم.

الرياضة أيضاً تلعب دوراً محورياً في دعم التوازن الهرموني. فالتمارين المنتظمة خصوصاً تمارين المقاومة والمشي السريع تحسن من حساسية الخلايا للأنسولين وتخفض الالتهابات وتنشط الدورة الدموية. ومع كل حركة، يزداد إفراز هرمونات السعادة مثل الإندورفين والسيروتونين، اللتين تعيدان التوازن النفسي وتحدّان من التوتر الذي يعدّ عدواً خفياً للهرمونات.

إدارة التوتر لا تقل أهمية عن الغذاء أو الرياضة. فالإجهاد المستمر يرفع مستويات الكورتيزول في الجسم، مما يعطل إفراز الهرمونات الأنثوية الطبيعية. ولهذا ينصح بممارسة التأمل، أو اليوغا، أو حتى المشي في الطبيعة للتنفيس عن الضغط النفسي. وتُظهر الأبحاث أن تخصيص عشر دقائق يومياً للهدوء والتأمل يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في توازن الجهاز الهرموني والمزاج العام.

وفي بعض الحالات، قد نقترح استخدام العلاج الهرموني التعويضي (HRT) إذا كانت الأعراض شديدة ومزعجة. يهدف هذا العلاج إلى تعويض الجسم بهرمونات شبيهة بتلك التي لم يعد ينتجها بانتظام، لكنه لا يُستخدم إلا تحت إشراف طبي دقيق وبعد تقييم المخاطر والفوائد، خاصة لدى النساء اللواتي لديهن تاريخ عائلي مع أمراض القلب أو السرطان. كما يمكن أن نوصي بمكملات مثل فيتامين D والمغنيسيوم والزنك لدعم عملية التوازن الهرموني بشكل آمن وطبيعي.

إن استعادة التوازن الهرموني بعد الأربعين ليست مجرد مسألة جسدية، بل رحلة نحو التكيّف مع مرحلة جديدة من النضج والحكمة الأنثوية. إن الإصغاء للجسد، والاهتمام بالتغذية والنوم، وممارسة النشاط البدني، ومواجهة الضغوط النفسية بهدوء، كلّها مفاتيح للحفاظ على توازن داخلي يمنح المرأة طاقة متجددة وثقة متصالحة مع ذاتها.

د.هدير سيف 
اخصائي التغذيه العلاجيه